تشهد أجهزة الدولة الواقعة تحت سيطرة حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي في تعز، فساداً مالياً وإدارياً مهولاً يفوق التوقعات. وعلى الرغم من أن معظم تلك المؤسسات لا تزال تحاول النهوض من تابوت الإحتضار وبتثاقل، إلا أن الحديث عن مسيرة الفساد داخل دهاليزها، يبدو أمراً معقداً وشائكاً، كون «المافيا»، قد حولتها بحسب مراقبين، إلى مشروع «فيد مفتوح». وفي مقدمة هذه الأجهزة، التي تخضع للفساد والتلاعب والنهب العلني، تأتي المؤسسة العسكرية، وقيادة المحور تحديداً.
وأكدت مصادر عسكرية في حديث إلى «العربي»، أن «مافيا الشرعية في تعز، حولت كل إمكانات وممتلكات وأموال قيادة المحور، إلى مشروع فيد مفتوح، حيث أنه وخلال العامين الأخيرين من الحرب، تمكنت المافيا من إحداث دمار هائل في المؤسسة العسكرية، من خلال إزاحة معظم الكوادر العسكرية، ذات الخبرة والكفائة، وبحجج واهية، وتم إسناد المهام القيادية في قيادة المحور والألوية العسكرية، إلى أشخاص ليس لهم أي خبرة في السلك العسكري، بل إنهم أبعد ما يكونون عنه».
وكشفت المصادر، أن «قيادة التحالف العربي قدمت خلال العامين المنصرمين دعماً مهولاً لقيادة المحور، الذي تديره قيادة الظل في حزب الإصلاح، وتعبث به من خلف الستار وتوظفه لصالحها الخاص، حيث قدمت دعماً عسكرياً ومادياً كبيرين، تمثل بثلاث قواطر ذخائر و30 طقماً و15 مدرعة، بالإضافة إلى مبلغ مالي يصل إلى حدود 15 مليار ريال يمني».
وأضافت أن «الـ 15 مليار التي تسلمتها قيادة المحور، هي عبارة عن مصروفات شهرية لقادة الجبهات، في اللواء 22، واللواء 17، واللواء 170، واللواء 35، حيث يتسلم قائد كل جبهة بمعدل من 15 إلى 20 مليون ريال يمني شهرياً».
وتتابع المصادر، أن «هذه المبالغ لا يصل منها إلى أفراد تلك الجبهات، الذين يعيشون حالة كبيرة من البؤس والمعاناة والتعسف، إلا النزر اليسير، حيث يتسلم الفرد الواحد مبلغاً يصل من ألف إلى ألفي ريال يمني يومياً، في حين تذهب بقيتها إلى المافيا».
وبحسب المصادر، فإن «معظم القيادات العسكرية، أصبحوا يمتلكون عقارات كبيرة، فيما يبقى الأفراد وحدهم فريسة للجوع وقذائف وقناصات قوات الحوثيين».
وتشير المصادر، إلى أن «هناك قطيعة شبه تامة بين قيادة المحور وقيادة المنطقة العسكرية الرابعة، وكل التوجيهات والتعليمات والتعيينات تأتي من قبل الجنرال علي محسن الأحمر».
من ناحية أخرى، تقول مصادر عسكرية إنه «ومنذ أن بدأت قضية دمج المقاومة في الجيش، والتي تشبه عملية مزج الزيت بالماء، عمدت المافيا إلى وضع قائمة أسماء وهمية كبيرة جداً، الغرض منها إبتزاز التحالف العربي»، متعللة بأن «التحالف لا يقدم لهم مصروفات يومية للجبهات كتلك التي تصرف لجبهات أبو العباس، على الرغم من أن رواتب تلك الأسماء الوهمية، ستجلب لهم ما يفوقها أضعافاً».
وأشارت المصادر إلى أن «قرابة ثلاثة ألف جندي تسلموا رواتبهم لمدة شهرين (11 و12 من العام المنصرم 2017)، وخلال لجنة البصمة التي نزلت من عدن لمعاينتهم، لم يتم معاينة أي فرد منهم، وحينما سألت اللجنة قيادة المحور عنهم، كان رد قيادة المحور بأنهم مرابطين في الجبهات، بالإضافة إلى ما يقارب 945 حالة بين من وصفتهم اللجنة بشهيد وجريح، من دون وجود أي وثيقة تثبت أنهم شهداء أو جرحى المقاومة، ولم يستلموا رواتبهم عند إنتهاء عمل اللجنة في المرحلة الثانية، وهو ما يؤكد وجود أسماء وهمية في كشوفات مرتبات مجندي قيادة المحور».
وطبقاً للمصادر، فإن «قيادة المحور لا تمتلك أي قاعدة بيانات ثابتة، لكشوفات المنتسبين وآلية الصرف».

وفي المقابل، أفاد مصدر عسكري مطلع لـ«العربي»، أن «قيادة التحالف لديها قاعدة بيانات تفصيلية عن الأسماء الوهمية والحقيقة في كشوفات المحور، ولكنها تغض الطرف عن ذلك، كونها لا تريد قوة فعلية للإصلاح في تعز، بل تريده أن يظل قوة ورقية تمكنه من إلتهامه إذا ما قررت من خلال إيجاد قوة موازية حقيقية».
وأفاد المصدر بأن «عمليات النقل المتكررة للأفراد بين الألوية، والتي تهدف قيادة المحور من خلالها إلى إضعاف قوة بعض الألوية كما حصل أخيراً في نقل قرابة 400 فرد من أفراد اللواء 35 مدرع، إلى اللواء 145، وتعزيز قواتها على الأرض، كونها تدرك أن قوتها الفعلية أقل من ذلك بكثير، بالإضافة إلى إيجاد مبرر لها في عملية النقل هذه لتغطية تلك الأسماء الوهمية».
وكشف المصدر أن «قيادة التحالف العربي كانت قد رفضت كشفاً يحتوي على 400 رقم عسكري نسائي، قدم من قبل قيادة محور تعز، وأصدرت بعد ذلك توجيهاً رسمياً بنقل المجندات من النساء على قوة وزارة الداخلية، لكن قيادة المحور وبدلاً من أن تنقل المجندات بأرقامهن العسكرية وتعزيزهن المالي من الجيش إلى الداخلية، قامت بتجنيد أفرد من الذكور بنفس الأرقام العسكرية المعززة مالياً، ونقل الأسماء إلى الداخلية، ولم يتم التعزيز المالي من الداخلية بحسب توجيهات قيادة التحالف».
وتشير معلومات مؤكدة، أن «التحالف وافق أخيراً لقيادة المحور، على تجنيد 200 إمرأة شريطة أن تكون من الكادر الطبي، إلا أن قيادة المحور جندت 200 إمرأة بين طبيبة وممرضة من الكادر الطبي في المستشفى العسكري، وليس من بينهن إمرأة واحدة من المجندات التي رفض التحالف تجنيدهن سابقاً».
ولم يتوقف فساد «المافيا» عند هذا الأمر، بل إن الجنود الذين لم تسقط أسماؤهم تعرضت رواتبهم لخصميات باهظة. وتؤكد المعلومات أن «الخصوم التي طالت رواتب أفراد اللواء 145، واللواء 22، واللواء 17، واللواء 170، واللواء 35، والتي أعلنت قيادة المحور، أمس الجمعة، عن البدأ بصرف راتبين لأفراد الجيش الوطني، عبر لجان صرف الألوية، وصلت بعضها إلى خصم 80 ألفاً من إجمالي 120 ألفاً، واستلم البعض 20 ألفاً فقط، وخصمت الباقي بحجة الغياب، وليس هذا فحسب، بل إن الشهداء الذين في قبورهم، طالهم الخصم الجائر، وأخذ عليهم راتب شهر كامل»، بحسب المصادر.
وتشير معلومات مؤكدة، أن «قائد كتيبة في (اللواء 145)، تسلم مرتبات 600 فرد من أفراد الكتيبة لمدة شهرين كاملين دفعة واحدة، ولم يعطهم ريالاً واحداً».
وكشفت مصادر مقربة من أسرة القيادي الميداني، في (اللواء 22 ميكا) الشهيد علي جبح، لـ«العربي»، أنه «تم إسقاط راتب الشهيد من كشف الراتب بحجة الفرار من الخدمة العسكرية»، مشيرة إلى أن «هناك حالات أخرى كثيرة مماثلة». وعلى الرغم من أن نسبة الخصم بموجب بيان قيادة المحور راتب شهر واحد، لمعالجة الأسماء التي سقطت من كشوفات المرتبات، وكشف المحلق الذي لم ينزل الإعتماد المالي له من الدائرة المالية في عدن، إلا أن الخصومات التي تمارسها لجان الصرف في الألوية تعتبر مجحفة.
«العربي» ومن باب الوصول للحقيقة الكاملة، حمل معه كل هذه المعلومات المعقدة والمثيرة للجدل إلى الجهات المعنية، إلا إنها رفضت أن تدلي بأي تصريح أو أية معلومة.