المقالات

الوطنية هي الجامع المشترك لأي شعب

الجديد برس : رأي 

محمد طاهر أنعم

تخطئ كثير من الجماعات الدينية والأحزاب القومية واليسارية حين تحاول فرض نظرياتها على الشعوب التي تحكمها لجعلها جامعاً مشتركاً.
أكدت التجارب القديمة والحديثة أنه لا يمكن تحقيق استقرار للشعوب إلا بجامع مشترك واحد يحس الجميع تجاهه بالرضا، وهو الانتماء الوطني.
حين يحس الشخص في أية دولة أنه مواطن متساوٍ مع غيره من الناس داخل حدود دولته في الحقوق وفي الواجبات، فإنه يحس بالانتماء الحقيقي المفضي للرضا والدافع للاستبسال في الدفاع عن هذا الوطن.
أما حين يحس أنه منتقص المكانة والحقوق بسبب انتمائه الديني أو المذهبي أو العقائدي أو المناطقي أو الاجتماعي أو العرقي أو بسبب اللون أو الجنس، فإنه يفقد شعوره بالانتماء للوطن، ويسهل تجنيده كعميل أو مرتزق لدى دول أخرى معادية لوطنه.
ولذلك فإن السعي لتحقيق المساواة الوطنية، والبعد عن الشعارات الجماعاتية والقومية والحزبية والسياسية، هو الدافع الأكبر للاستقطاب للوطن وللانتماء إليه، وهو ما يسميه البعض العدالة الاجتماعية.
كثير من الناس في بلاد متعددة ينفرون من جماعة الإخوان المسلمين – مثلاً – لأنها جماعة تصر دائماً على محاولة صبغ المجتمع والمناهج والحياة بصبغتها، وهو ما اصطلح على وصفه في مصر وعدة دول بالأخونة، وهي حقيقة ينفيها كثير من الإخوان المسلمين، بينما يحسها كل من عمل معهم في وزارة أو مؤسسة أو حتى مسجد يديرونه.
وكذلك الأمر بالنسبة للنظريات القومية العابرة لحدود القطر، وخاصة في الدول التي شهدت تعدداً في الانتماء السياسي والحزبي، مثل العراق وسوريا ومصر سابقاً، وكذلك الانتماء المذهبي مثل إيران والسعودية، وأيضاً اليساري مثل اليمن الجنوبي سابقاً، والليبرالي المتشدد مثل تونس.
لقد توصل الغرب بعد تجارب تاريخية كثيرة وكبيرة جداً، إلى أن الدولة المدنية الوطنية التي تسمح بالانتماءات السياسية والدينية والمذهبية، ولا تتدخل فيها، هي الحل النموذجي، ولذلك حققوا استقراراً في بلادهم، سواء في الدول المدنية التي تواجه مظاهر التدين مثل فرنسا (وهو النظام العلماني)، أو الدول المدنية التي لا تواجه مظاهر التدين داخلها مثل الولايات المتحدة الأمريكية (وهو النظام المنفتح).
والأخير – النظام المنفتح – هو المناسب لبلادنا ومجتمعاتنا، بحيث إن منظومة مواجهة مظاهر التدين في المجتمعات العربية هي منظومة تأسيس لصراعات جديدة وطويلة باعتبار المجتمعات العربية مجتمعات متدينة في أصلها، وهذا يشبه المجتمع الأمريكي الذي يصفه المؤرخون الاجتماعيون الأوروبيون بالتدين مقارنة بالمجتمعات الأوروبية.
يجب أن نتعاون جميعاً للدفع بمجتمعاتنا للدولة المدنية الوطنية غير المنحازة لأي مذهب أو تيار سياسي أو فكر يميني أو يساري أو منطقة أو غيرها من التوجهات الاجتماعية.