المقالات

عدن تحت الصفر

الجديد برس : رأي 

طاهر علوان 

الفكرة المسيطرة والمهيمنة على قيادة تحالف الشر المطلق أمريكا وأدواتها السعودية والإمارات، في اللحظة الراهنة، نشوب معارك وصراعات وهمية في عدن، لتكريس سياسة الفوضى الخلاقة تحت أكذوبة سمجة، وهي الخلاف والصراع بين السعودية والإمارات حول إخضاع عدن للسيطرة، واستنزاف واستغلال مواقعها الجغرافية وثرواتها، وإخراج الطرف الوطني وإبعاده عن ساحة الصراع ومطاردته، وممارسة كافة أشكال القمع والإرهاب ضده، بدءاً بالاعتقالات والتوقيف وانتهاء بالخطف والاغتيالات والتعذيب والسجون الخاصة المستحدثة، ويعتبر ذلك الإنجاز الوحيد للإمارات في عدن، وتقسيم اليمن إلى دويلات دينية ومناطقية وطائفية، والدخول إلى مرحلة جديدة يُعاد فيها التكوين السياسي والاقتصادي والجغرافي، وسط أجواء يختل فيها التوازن الدولي لصالح أمريكا، وفرض مشروعها في المنطقة، وإقامة (نظام الأمن الإقليمي) الذي ينتهي بأن تصبح إسرائيل القوة الوحيدة في المنطقة العربية.
النظام فوق الشمولي الإماراتي في عدن بكل فجوره وانتهاكاته وضراوته، يمارس تصفية أبسط مظاهر الحرية والنشاط السياسي وحقوق الإنسان حتى بمفرداتها البدائية، ومحاولة نقل الجنوب إلى أكثر المراحل ظلامية في تاريخه، وحرمانه من المنجزات التي حققها طيلة عقود سابقة، بخلق صراعات تدميرية دموية، واندفاعات مناطقية عدائية بين المكونات الاجتماعية والسياسية، ما أسفر عن كوارث مروعة في مختلف الميادين، خصوصاً الخسائر البشرية الفادحة والدمار الاقتصادي وتعطيل ميناء عدن المتعمد، ونهب سقطرى وثرواتها وتراثها، والتشويهات الاجتماعية، والنهج التوسعي الاستفزازي المغامر لتأكيد وتثبيت سلطتها ووجودها وأحقيتها في احتلال الجنوب واستباحته بكل الوسائل الهمجية، وتثبيت نظام الحزام الأمني الإرهابي، وابتداع المجلس الانتقالي ورئيسه المنزه عن أي اتهام بالوطنية والنضال من أجل تحرير الجنوب من الاحتلال وتقرير مصيره حسب رغبات أبناء الجنوب الشرفاء السباقين بإيمانهم بالمشروع الوطني الوحدوي ورفع شعار (يمن ديمقراطي موحد نفديه بالدم والأرواح).
أصبحت تلك القوى الوطنية الثورية الآن الغائب الوحيد والمغيب بإصرار عن الصراع الدائر في الساحة الجنوبية، رئيس المجلس الانتقالي المتنمر على أبناء جلدته الذي أبوا أن يتجردوا من انتمائهم الوطني وشرف الدفاع عن الوطن والوحدة اليمنية، والذي لا يرى ولا يسمع، بل يجاهر بسقوطه في أحضان الاحتلال وعمالته للعدوان مع قلة طفيلية فاسدة متكيفة مع تلك السياسات الاستعمارية الإجرامية، وإبادة شعب بأكمله، والانقضاض على المكاسب الوطنية التاريخية، وطرد أبناء الشمال من أعمالهم ومساكنهم استجابة لسياسة العدوان لتقسيم الوطن وتمزيق النسيج الاجتماعي والتلاحم الوطني، وتبديد الطاقات في صراعات بعيدة عن الهدف الحقيقي الوطني المتمثل في الخلاص من الاحتلال، وتغيير اتجاه الريح ومسخ الحقائق التاريخية.
كل تلك المحاولات البائسة للإفلات من الهزائم والأزمات المتلاحقة والطاحنة وفقدان الثقة والخوف من المصير المؤكد بالإخفاق والفشل الذريع والإفلاس والخسائر التي يتكبدها العدوان وبشكل يومي في جميع المناطق اليمنية، يمكننا فهم توقيت تلك الصراعات وحجمها وارتباطها وصلتها الوثيقة بالمخطط الأمريكي لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة، يتم فيها تسويات معلقة منذ فترة طويلة (الشرق الأوسط الجديد- والسوق المشتركة – والتطبيع الإجباري مع الكيان الصهيوني بدرجات أبعد وبخطى أسرع بكثير مما كان يجري)، ولتحقيق تلك الأهداف لابد من خلق صراعات وتطبيق سياسة الفوضى الخلاقة.. احتلال دويلة كالإمارات لعدن الحضارة يعد بمثابة طعنة للسيادة، ومسخرة، وإهانة للمدنية والعلم والتطور.
ليعلم العالم كله، وخاصة أعداؤنا ومن لف لفهم، أن في اليمن رجالاً وضعوا رؤوسهم على أكفهم في سبيل عزة الوطن وكرامة أهله، ولن يستبدلوا ويلات الاحتلال بويلات الصراع والحروب الأهلية والتقسيم.