الأخبار المحلية

مجلة أمريكية : الحرب في اليمن تدخل عامها الدموي الثالث

الجديد برس : صحافة

عامان إضافيان من العبثية وإيلام النفس
الحرب في اليمن تدخل عامها الدموي الثالث

مجلة (ذا إيكونومست) الأمريكية
ربما أدرك مؤخراً أنجح رجل أعمال يمني وصاحب أكبر مصانع في اليمن شوقي هائل، أن إنشاء مصانع الأغذية والمعامل في مسقط رأسه مدينة تعز، كان خطأً، حيث تمتد المدينة على الخطوط الأمامية للشمال وكذلك الجنوب، حيث تشتعل المواجهات بين أنصار الله (الحوثيين) والقوات المدعومة من المملكة العربية السعودية.
المشكلة تكمن في أن استيراد القمح إلى هذه المصانع لإنتاج الغذاء، يتم عبر ميناء الحديدة المحاصر من القوات السعودية، وهو أكبر ميناء تجاري في اليمن. وتزداد نقاط التفتيش على الطرق لنهب المسافرين والتجار، وهنا تأتي مشكلة دفع الأموال. وتزيد مسألة نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، من حدة المشكلة، حيث إن موظفي الدولة لم يتسلموا رواتبهم منذ يوليو، وتوقفت البنوك عن إصدار الشيكات النقدية.
بينما ينهار الاقتصاد الأساسي للبلد، بدأت حرب اقتصادية بحيث تستطيع أية ناقلة أو وسيلة نقل تجارية أن تمر من نقاط التفتيش بدون تفتيش، ولا يهم ما الشيء الذي تحمله. ويقول أحد الدبلوماسيين إن تهريب السلاح انتشر بشكل كبير، وخصوصاً تلك الموردة من السعودية، فعلى سبيل المثال يحصل الكثير من اليمنيين على القنابل اليدوية، وبأسعار منخفضة، لرميها والاحتفال بها في حفلات الزفاف. وكذلك مشائخ القبائل يعرضون الرجال التابعين لهم للمشاركة إلى جانب القوات الأجنبية السعودية في المعارك التي تخوضها، وأي بلد يدفع الأموال لكسب التأثير الإقليمي في المنطقة. على سبيل المثال أحد ربان الحرب قدم 465.000 مقاتل من رجال القبائل للسعودية مقابل راتب شهري. وفي سبيل الحصول على الأجور التي قد نسميها دفع مقابل الأداء (مرتزقة)، قد تشهد انتشاراً ملحوظاً.
إن إنهاء الصراع قد يكلف الأطراف المتحاربة خسارة سبل معيشتهم وطرق ادخار الأموال، ولذلك توقفوا عن الحديث والمفاوضات مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة، ولذلك تم تفجير مركز متابعة سير عملية وقف إطلاق النار الذي رتب لتأسيسه.
الأجانب زادوا من مشكلة تشرذم اليمن، فالأفكار المستوردة، والتي تم تبنيها من الخارج، أثرت بشكل كبير على اليمنيين، فقد كانوا قبل هذه الفترة يصلون في مسجد واحد، بالرغم من كونهم سنة (شوافع) وشيعة (زيديين)، وكانوا عبارة عن طوائف متعايشة.
أما المملكة العربية السعودية فقد عملت على تصدير الوهابية، مذهبها السني الخاص بها، والخطباء والوعاظ المتشددين مثل مقبل الوادعي، حيث مكنهم ذلك من فتح وإيجاد مراكز في الصحراء، حيث يدنو المتدربون برؤوسهم في الصلاة ناحية الكلاشنكوف والأسلحة الرشاشة التي يضعونها أمامهم. ونتج عن تصارع المذهبين السني والشيعي، وبتركيز السنة على الشريط الساحلي وسيطرة الشيعة على المرتفعات من الشمال الغربي، تفكك اليمن.. هناك خصومات وعداوات تهدد بتقسيم اليمن التي تم توحيدها في 1990. فالجنوب يغلي ضد الشماليين الذين يعتقدون أنهم يفجرون الطرقات ويقومون بعمليات قنص المواطنين عندما دخلوا عدن في الأشهر الأولى في بداية الحرب، بينما في الشمال يعتقدون أن الجنوبيين خونة كونهم قاموا بدعوة القوات الأجنبية من السعودية والإمارات، لإلقاء القنابل عليهم ومحاصرتهم وعزلهم براً وبحراً، وذلك بعد انضمامهم إلى الحرب في مارس 2015.
إن المكاسب على الأرض مرهونة بالمواقف القبلية والمبالغ المالية التي يتم دفعها بدلاً عن القتال لاعتبارات أخرى، حيث إن ثلاثة أرباع الضحايا كانوا نتيجة للغارات الجوية. الخوف من المخاطر التي قد تلحق بالطيارين السعوديين يبقيهم محلقين في الجو بعيداً عن مدى مضادات الطيران. إن ذلك يحمي حياة السعوديين، لكن الضربات غير الدقيقة تلحق أضراراً فادحة بالضحايا المدنيين. وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من 7000 يمني قتلوا خلال عامين من الحرب، وتمت مهاجمة المستشفيات أكثر من 18 مرة في العام 2016.

ليس طبقاً للخطة
الجوع كذلك يحصد حياة الكثير أيضاً. حيث إن اليمن تستورد ما نسبته 90% من واردات الغذاء، ولذا تحكم الأطراف المتحاربة في استيرادها هو سلاح آخر. وبدون الكهرباء لتبريد هذه البضائع، فإن الكثير منها يتعرض للتلف. وتقول الأمم المتحدة بأن 7 ملايين يمني يعانون من الجوع، وهو ضعف العدد في يناير، وغادر 3 ملايين منازلهم، وتُعد جيبوتي هي البلد الوحيد المجاور الذي يستقبل اللاجئين من اليمن. اليمن كما تقول الأمم المتحدة تتعرض لأكبر أزمة إنسانية في العالم في الوقت الحالي.
العربية السعودية تصر أن تكلفة إعادة تنصيب الرئيس عبدربه منصور هادي تستحق كل هذا. ويكمن خوف المملكة – حسب زعمها – في تمدد إيران وسيطرتها على رابع عاصمة عربية بعد بغداد وبيروت ودمشق، لكن حتى لو كان هذا التشخيص صحيحاً، فإن رد الأمير محمد بن سلمان كان قاتلاً ومميتاً. الحرب زادت من حدة المخاوف التي كانت تخشاها المملكة، وكان يمكن التحكم بها في البداية، وبغض النظر عن مدى التقدم الذي يرد في الإعلام الموالي، فإن الخطوط الأمامية لم تتغير في الواقع. لكن الآن تبدو المملكة بموقف ضعيف، وتلوح إيران في الأفق أكثر من أي وقت مضى. حيث يشن الحوثيون غارات مترددة على بعد كيلومترات داخل الحدود السعودية. وتصل الصواريخ إلى أقصى مدى في شمال الرياض، وكان آخرها هجوم على قاعدة جوية يوم 18 مارس، بينما تقف السفن الحربية التابعة للتحالف عاجزة في البحر الأحمر، وتم تدمير العديد من الدبابات السعودية والإماراتية. وكالمعتاد تملأ عناصر تنظيم القاعدة وداعش الفراغ الأمني في المناطق التي لا تتواجد بها القوات الحكومية، الأمر الذي يجعل من اليمن ملاذاً للمقاتلين الهاربين من سوريا والعراق. وبالرغم من توقع انتهاء الحرب قريباً، فهي تدخل عامها الثالث، وتبدو المملكة العربية السعودية بدون استراتيجية للخروج من هذه الحرب. ويقول تقرير حديث للأمم المتحدة إن (اليمن تتعرض لخطر التفكك بلا عودة).
وبعد أن أحكمت الإمارات سيطرتها على مدينة عدن، في أغسطس 2015م، بتدخل بحري وإنزال بري، تعهدت بجعلها نموذجاً لبقية المدن اليمنية. وبعد عام ونصف لا تزال ترفض دخول الإعلاميين لرؤية الوضع عن كثب في عدن، ولذلك يظل من الصعب قياس مدى نجاحها. ويقول أحد السكان المحليين إن الوضع الأمني قد تحسن، بينما تظل المؤسسات الحكومية بحاجة ملحة إلى الأمن. ولكن اللاجئين الفارين من عدن إلى جيبوتي يقولون إن الوضع غير ذلك، ويصرون أنهم لم يروا أي دليل على ملايين الدولارات التي تدعي الإمارات استثمارها في إعادة الإعمار. وفي المناطق التي تسيطر عليها تتحارب القوات الموالية للتحالف على الغنائم، وقوات هادي من رجال القبائل التابعة له تعد واحدة من 4 قوى تتصارع من أجل التحكم بالميناء والمطار، وتنظيم القاعدة يعد الجناح الآخر.
ويقول مسؤول سابق في الأمم المتحدة كان يعمل بالشأن اليمني: (جميع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي ضد الحرب، لكنهم مستعدون لبيع اليمن من أجل السلاح). وبحلول المساء تطلق السعودية من قاعدة أمريكية بجيبوتي طائرات بدون طيار. ومن أجل شراء صمت الدول الأخرى، فقد وعد الأمير محمد بن سلمان الصين باستثمار مبلغ 65 مليار دولار، خلال زيارته لها هذا الشهر. أما الشعب السعودي فقد نفد صبره من الإجراءات التقشفية التي قد تساعد في تفادي العجز في الميزانية، حيث كان من الأولى إنفاق الأموال في الداخل بدلاً عن حرب عقيمة.