المقالات

الذكرى الواحد والثلاثين لمؤامرة 13 يناير 1986م.. الحراك الجنوبي بين مفترق طرق وحكم قاطع غير قابل للطعن لمحكمة الفقيد عبدالله البردوني “مؤامرة خليجية”

الجديد برس : رأي

جميل أنعم العبسي

الذكرى الواحد والثلاثين لمؤامرة 13 يناير 1986م.. الحراك الجنوبي بين مفترق طرق وحكم قاطع غير قابل للطعن لمحكمة الفقيد عبدالله البردوني “مؤامرة خليجية”

“لا أريد منكم أن تطلقوا رصاصة واحدة حتى وإن إنهال عليَّ الرصاص” .. الشهيد عبد الفتاح إسماعيل مخاطباً حرسه الخاص وهو يودعهم مغادراً عدن متوجهاً إلى موسكو المنفى بعد تقديم إستقالته من رئاسة الدولة والحزب الحاكم الإشتراكي اليمني في عدن إبريل 1980م، حيث عاش في موسكو خمس سنوات وعاد إلى عدن بعد إلحاح واصرار من “علي عنتر” من أجل مواجهة مؤامرة بني سعود وعملائها لتصفية الثورة الجنوبية والنظام الوطني التقدمي في عدن المعادي لأمريكا والصهيونية والرجعية العربية، فسقطا شهيدين صبيحة يوم الإثنين 13 يناير 1986م، ولكن المؤامرة فشلت في احداث ردة فعل ثورية في عدن مشابهة لردة السادات في مصر.. مؤامرة لم تتكشف خيوطها كاملة بالرغم من مرور واحد وثلاثين عام على حدوثها، ووجود رموز هذه المؤامرة على قيد الحياة (فريق الخائن هادي) .

وحده فقط الفقيد المفكر الاديب عبدالله البردوني وفي كتابه “قضايا يمنية” وبأسلوبه المبدع الرائع وصف الحدث المأساوي بانها مؤامرة من دول الخليج للنيل من النظام الوطني في عدن، وتعددت الآراء حول أسباب احداث يناير 1986م، قيادات الحزب المنتصرة وصفت الحدث بمؤامرة من الإمبريالية الأمريكية والصهيونية والرجعية العربية، والتي مررت ذلك من خلال شخصية رئيس الدولة آنذاك “علي ناصر محمد” بإعتباره إنتهازي متعطش للسلطة فكرس خلال حكمه (أبريل 1980 – يناير 1986) المناطقية كما أفشل القطاع العام ونقله للقطاع الخاص، وتواصل مع امريكا والغرب والرجعية العربية واظهر نفسه الرجل المعتدل في اليمن الديمقراطية، أما الغرب وانظمة الخليج وصفوا الحدث بأنه صراع قبلي بين القبائل الماركسية والقبائل المعتدلة، والبعض الآخر وصفه بالصراع والتناحر بين اجنحة الحزب الإشتراكي الحاكم.

والمؤامرة تفجرت في صبيحة يوم الإثنين 13 يناير 1986م، حيث أقدم الحارس الشخصي لرئيس الدولة بإطلاق النار على قيادات الدولة والحزب والجيش في قاعة الاجتماعات للمكتب السياسي فـقُـتلت على الفور القيادات التاريخية للحزب، وتلى ذلك تصفية لمعظم رموز الدولة والحزب الوطنيين بالغدر والإستيلاء على كل مفاصل ومنشئات الدولة في عدن، وتمكن فريق الخائن هادي من السيطرة الكاملة على العاصمة بفعل التحضير والاستعداد المسبق لها، ولكن وبفعل وفضل وبسالة التيار المبدئي في الجنوب تم استعادة زمام المبادرة وإحباط المؤامرة بعد حوالي اسبوع من معارك طاحنة راح ضحيتها الآلاف المؤلفة من القتلى وبالهوية المناطقية، وعندما لاحت بوادر الهزيمة المنكرة لفريق هادي، كانوا يعولون على التدخل العسكري الخارجي لدعم مواقفهم فظهرت دعوات لدخول وحدات عسكرية من الخارج إلى عدن، للفصل بين المتحاربين، فأعلن الرئيس السوري الراحل “حافظ الاسد” والرئيس الجزائري الراحل “الشاذلي بن جديد” معارضتهم وبشدة لأي تدخل خارجي ففشلت محاولات التدخل الخارجي لمصلحة فريق هادي الخائن، وفروا إلى خارج الحدود .

وما أشبه الليلة بالبارحة، هادي الخائن حاول تفجير الوضع في كل جغرافيا اليمن مناطقياً وهرب إلى عدن، والجيش واللجان الشعبية أفشلا المؤامرة، ووصل إلى عدن والجنوب، وهرب هادي للرياض، وحضر التدخل الخارجي العسكري وبأبشع الصور الإجرامية، في ظل إنبطاح النظام العربي وانشغال الأنظمة الوطنية العربية سوريا والجزائر داخلياً وبنفس المؤامرة تخطيط وادوات وأهداف .

وعودة على بدء إلى القامة الوطنية ومحكمة الضمير اليمني الفقيد الحاضر عبدالله البردوني الأعمى المبصر، وحده فقط قال دول الخليج هي وراء مؤامرة 13 يناير 1986م لتصفية النظام الوطني في عدن، هذه المؤامرة إستغرق التخطيط لها أربع سنوات والكلام للبردوني .. وخلال أربع سنوات والكلام هنا من الوقائع والأحداث عمل رئيس الدولة “على ناصر محمد” ومعه الخائن هادي (أبريل 1980 – 1985) على سلاح النعرات المناطقية لشق وطنية الحزب والدولة والجيش والمجتمع بهدف خلق توازنات وصراعات داخل السلطة لتدعيم مواقعه في السلطة والدولة والجيش والحزب وبالفعل تمكن من ذلك، الأمر الذي تنبّه له “الشهيد علي عنتر” ورفاقه، فأعادوا “عبدالفتاح إسماعيل” من المنفى في 1985م، فأثناء حكم عبدالفتاح إسماعيل عمل فريق الخائن هادي وعلي ناصر محمد على بعث النعرات المناطقية شمالي، جنوبي، وكاد ينفجر الوضع عسكرياً لولا تقديم الشهيد فتاح الاستقالة، وبعد تولي فريق هادي الخائن السلطة في عدن تم إقصاء ونفي القيادات التاريخية الجنوبية، فبعد نفي عبدالفتاح إسماعيل العبسي -من أصل جوفي- من محافظة الجوف، نفي المناضل “عبدالعزيز عبدالولي العبسي” للخارج ثم إغتياله، ونفي المناضل “محمود عبدالله عشيش” ثم سجنه وكذلك سجن المناضل الجسور والعنيد محمد سعيد عبدالله محسن التعزي واستمروا في السجن ولم يطلق سراحهم إلا بعد عودة فتاح من المنفى وتوحيد القوى الثورية الحزبية لمواجهة مؤامرة دول الخليج، وفصائلياً حارب الفصائل الشمالية في عدن الجبهة الوطنية الديمقراطية وحزب الوحدة الشعبية بزعامة الزعيم “الشهيد جار الله عمر” واكثر من ذلك بعث النعرات المناطقية في الجنوب ضد الخصوم السياسيين فهذا حضرمي وذلك ضالعي والآخر لحجي، ووصل الأمر إلى المحاولات المتكررة لعزل واقصاء “الشهيد علي عنتر” من الدولة والحزب واستبدال القادة التاريخيين بالعناصر الفاسدة والنفعية والوصولية من المقربين والأقارب وبلون مناطقي .

ويتكرر المشهد دوماً، وما أشبه الليلة بالبارحة نفس الفريق العميل والخائن هادي وفي 2015م – 2017م يلعب على الورقة المناطقية على كل الجغرافيا اليمنية وهذه المرة بإسناد عالمي واقليمي وحزبي وتكفيري واسع النطاق مدعوم بإمبراطورية إعلامية ومالية غير مسبوقة في تاريخ الصراع السياسي العالمي، وهكذا العدو عدو مستمر في عدوانه تاريخياً، يقتل هنا ويذبح هناك ويحاصر ويدمر طالما هناك عناصر تتاجر بالمبادئ والأوطان وتشكل جسر لعبور وتسلل الأعداء للاوطان، يقابل ذلك عناصر وطنية قد تنجر لمربع العمالة وبدون وعي وادراك، ولكنها تستدرك الامر وتعود إلى حضن الوطن والوطنية، والبعض الآخر يكابر ويعاند ومصيره مصير الثور الأبيض سيقع وسيُؤكل يوماً ما وبالغدر أو بغيره، ومن لا يعرف حكاية الثور الأبيض، والذي كان إلى جانب الثور الأحمر والأسود في الغابة وعجز الأسد عن افتراس أي منهم في ظل تلاحمهم، ثم لجأ الأسد إلى الثور الأحمر والأسود وقال لهما لا خلاف لديَّ معكما وانتم أصدقائي وانا اريد فقط أن آكل الثور الأبيض، فوافقا على أن يهجم على الثور الأبيض دون أن يتدخلا، فأكل الثور الأبيض، وفي مره أخرى جاع الأسد وهاجم الثوران الأحمر والأسود وفشل بذلك، ثم لجأ الأسد للثور الأسود على انفراد قائلاً لِمَ هاجمتني وأنا لم أقصد سوى الثور الأحمر فوافق الثور الأسود على أن يهجم الأسد على الثور الأحمر، وكذلك فعل الأسد، ومرت الأيام وجاع الأسد فذهب وافترس الثور الأسود والذي قال جملته “أكلت يوم أكل الثور الأبيض” في اشارة منه أنه جنى على نفسه بتآمره على الثور الأبيض أول ضحايا الأسد منهم، وبالمثل فان واقع الحال للأنظمة الوطنية الجمهورية العربية، وواقع الحال للقوى والأحزاب الوطنية والشخصيات الوطنية العربية بصفة عامة واليمنية بصفة خاصة تشبه حكاية الثور الأبيض، فيجري الاستفراد بالقوى الوطنية واحد تلو الآخر وبصمت وتآمر من يعرف كل الحكاية، وحدها فقط تجاوز الخلافات وحدها فقط الوطنية اليمنية وحدها فقط الوحدة العربية والتضامن الإسلامي كفيلة بالوقوف ضد أعداء الامة العربية والإستعمار والصهيونية وبني سعود والخونة والعملاء، وهزيمتهم شر هزيمة.

وللاستدراك وللإنصاف التاريخي فإن مواقف الرئيس السابق “علي ناصر محمد” اليوم مشرفة وترفض العدوان، وله منا كل التحية والتقدير، وحق للتاريخ والأجيال فإن الرئيس علي ناصر محمد أمام إمتحان تاريخي لتجاوز الماضي، وكشف مؤامرة افتراس الصهيونية والرجعية العربية للقوى الوطنية اليمنية، فكل قادة العالم تكتب مذكراتها وتعترف بالأخطاء لتجاوز الوقوع بها مجدداً، وتـبـقّى أمام الرئيس السابق مسئولية توضيح أحداث يناير للشعب اليمني شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً بالوطنية اليمنية الكاملة، لأخذ العبرة من عدو أشهرَ سيوفه منذ زمن طويل وما زال ينحرنا بها حتى اليوم.

ولأهلنا في المحافظات الجنوبية شعباً ونخب سياسية، خاصة في الحراك الجنوبي، نقول من العار احتضان من تآمر على القيادات التاريخية للحزب الإشتراكي زمرة هادي المستمرة بالتآمر مع الخليج، ومن العار على الجناح المنتصر الارتماء في أحضان الرجعية والامبريالية لعُقدة تجاوز الماضي مع الداخل، الخارج هو الخارج سيأكلكم يوماً ما مهما تذاكيتم، وإن كانت العقدة تمنعكم من تجاوز خلافات الماضي فهل من تفسير لتجاوزها مع جناح الديلمي صاحب فتاوى تكفير الجنوب، بل وتجاوزها مع زمرة هادي، بل والخليج المتآمر، أنتم أمام مفترق طرق لا مجال فيه للتذاكي أو مسك العصا من المنتصف، تجاوز الخلافات مع من يقف اليوم ضد المؤامرة واعادة النظر في المواقف ورص الصفوف لسحق المؤامرة، أم تجاوزها مع أصحاب المؤامرة والإستمرار بتنفيذها، حتى أُكلتْ يوم أُكل فتاح وعنتر وجار الله عمر، رحم الله شهداء مؤامرة الخليج والصهيونية في يناير 86م ومارس 2015م وفي كل حين حتى تاريخه، والله المستعان.